قطعُ شجرِ الحَرم

شارك المادة :

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: في هذا البحث مسألتان:

المسألة الأولى: ما يحرم قطعه.

المسألة الثانية: ما يجوز قطعه.

المسألة الأولى

ما يحرم قطعه

♦ أولاً: تحريم قطع الشجر: 

أجمع العلماء: على تحريم قطع شجر الحرم[1].

الأدلة:

1- ما جاء عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(حَرَّمَ اللهُ مَكَّةَ، فلم تَحِلَّ لأِحَدٍ قَبْلِي، ولا لأِحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لي سَاعَةً من نَهَارٍ، لا يُخْتَلَى خَلاَهَا، ولا يُعْضَدُ[2] شَجَرُهَا..))[3].

2- ما جاء عن أبي شُرَيْحٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ، ولم يُحَرِّمْهَا الناسُ، فلا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ فيها دَمًا، ولا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً...)[4].

وجه الدلالة: دل الحديثان على النهي عن قطع شجر الحرم.

 ♦ ثانياً: تحريم قطع الرَّطْب من الكلأ والعشب: 

أجمع العلماء: على تحريم قطع خلا[5] الحرم.

الأدلة:

ما جاء عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(حَرَّمَ اللهُ مَكَّةَ، فلم تَحِلَّ لأِحَدٍ قَبْلِي، ولا لأِحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لي سَاعَةً من نَهَارٍ، لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا...)[6].

وجه الدلالة: دل الحديث على النهي عن قطع خلا الحرم، وهو الرَّطب من الكلأ والعشب.

 ♦ ثالثاً: تحريم قطع الشوك: 

اختلف العلماء: في قطع الشوك في الحرم، على قولين، والراجح: حرمة قطع الشوك في الحرم، وهو قول الجمهور[7]، وبه قال الحنفية[8]، ووجه للحنابلة[9]، ورجحه النووي[10]، وابن قدامة[11]، وابن القيم[12].

 الأدلة:

1- ما جاء عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - يوم فَتْحِ مَكَّةَ: (إِنَّ هذا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ الله، لاَ يُعْضَدُ[13] شَوْكُهُ...)[14].

2- ما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: والشاهد منه: (وَلاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا)[15].

3- ما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: والشاهد منه: (لاَ يُخْبَطُ[16] شَوْكُهَا)[17].

وجه الدلالة: دلت ألفاظ الأحاديث على النهي صراحةً عن قطع شوك الحرم.

4- قال ابن قدامة - رحمه الله -: (فلما حَرَّمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قطعَ شجرها، والشوكُ غالبه، كان ظاهراً في تحريمه)[18].

5- وقال ابن حجر - رحمه الله -: (حتى ولو لم يرد النَّص على تحريم الشوك، لكان في تحريم قطع الشجر دليل على تحريم قطع الشوك؛ لأن غالب شجر الحرم كذلك)[19].

♦ رابعاً: تحريم أخذ الكلأ لِعَلْف البهائم: 

اختلف العلماء: في أخذ الكلأ من الحرم لِعَلْفِ البهائم، على قولين، والراجح: حرمة أخذ الكلأ من الحرم لِعَلْفِ البهائم، وقال به أبو حنيفة[20]، وأحمد[21]، وقول للشافعية[22]، ورجحه ابن حزم[23].

الأدلة:

1- ما جاء عن مُجَاهِدٍ - رحمه الله - قال: شَهِدَ ابنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - الْفَتْحَ[24]، وهو ابنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَمَعَهُ فَرَسٌ حَرُونٌ[25]، وَرُمْحٌ ثَقِيلٌ، فَذَهَبَ ابنُ عُمَرَ يختلي لِفَرَسِهِ[26]، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ[27])[28]. وفي رواية:(أين عبد الله؟ أين عبد الله؟[29])[30].

وجه الدلالة: إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على ابن عمر - رضي الله عنهما - عندما اختلى لفرسه في الحرم، ولم يُقره عليه.

2- ما جاء عن عبيد بن عميرٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - رَأَى رَجُلاً يَقْطَعُ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ، وَيَعْلِفُهُ بَعِيرَاً لَهُ، فَقَالَ:(عَلَيَّ بِالرَّجُلِ)، فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ:(يَا عَبْدَ اللَّهِ! أَمَا عَلِمْتَ: أَنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ، لاَ يُعْتَضَدُ عَضَاهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تَحِلُّ لقطَتُهَا إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ؟)، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! وَاللَّهِ مَا حَمَلَنِي عَلى ذلِكَ إِلاَّ أَنْ أَعْلِفَ نِضْوَاً لِي[31]، فَخَشِيتُ أَنْ لاَ يُبَلِّغَنِي أهلي، وَمَا مَعِي مِنْ زَادٍ وَلاَ نَفَقَةٍ، فَرَقَّ لَهُ بَعْدَ مَا هَمَّ بِهِ، وَأَمَرَ لَهُ بِبَعِيرٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ مُوقِرَاً طَحِينَاً، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَقَالَ:(لاَ تَعُودَنَّ تَقْطَعُ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ شَيْئَاً)[32].

وجه الدلالة: أن عمر - رضي الله عنه - أنكر على الرجل قطعه لشجر الحرم، مما يدل على حُرمة أخذ الكلأ من الحرم لِعَلْفِ البهائم.

3- قال الطحاوي - رحمه الله -: (وقد كان ذلك من عُمَرَ - رضي الله عنه - بِحَضْرَةِ مَنْ سِوَاهُ من أَصْحَابِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلم يُنْكِرُوا ذلك عليه، ولم يُخَالِفُوهُ فيه، فَدَلَّ ذلك على مُتَابَعَتِهِمْ إيَّاهُ عليه)[33].

♦ خامساً: جزاء قطع شجر الحرم: 

اختلف العلماء: في جزاء قطع شجر الحرم على قولين، والراجح: لا جزاء على قطع شجر الحرم، مع حُرمة القطع عدا الإذخر، ويجب عليه التوبة والاستغفار، وقال به: عطاء[34]، ومالك[35]، وأبو ثور[36]، وداود[37]، ورجحه: ابن المنذر[38]، وابن حزم[39].

الأدلة:

1- عدم ورود دليل صحيح يعتمد عليه من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع في وجوب الجزاء.

2- تصريح عدد من أهل العلم بعدم ورود شيء في الجزاء، ومن هؤلاء:

أ‌- الإمام مالك - رحمه الله - قال: (ليس على الْمُحْرِمِ فِيمَا قَطَعَ مِنَ الشَّجَرِ في الْحَرَمِ شَيْءٌ، ولم يَبْلُغْنَا أن أَحَدًا حَكَمَ عليه فيه بِشَيْءٍ، وَبِئْسَ ما صَنَعَ)[40].

ب‌- ما جاء عن ابن المنذر - رحمه الله - قال: (لا أجد دليلاً أوجب به في شجر الحرم فرضاً من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، وأقول كما قال مالك: نستغفر الله تعالى)[41].

ت‌- ما جاء عن ابن حزم - رحمه الله - قال: (وقال مالك وأبو سُلَيْمَانَ: لاَ شَيْءَ في ذلك، وهو الْحَقُّ؛ لأنه لو كان في ذلك شَيْءٌ لَبَيَّنَهُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ يَجُوزُ شَرْعُ هدي، وَلاَ إيجَابُ صِيَامٍ، وَلاَ إلْزَامُ غَرَامَةِ إطْعَامٍ، وَلاَ صَدَقَةٍ إلاَّ بِقُرْآنٍ أو سُنَّةٍ)[42].

ث‌- قال صديق حسن خان - رحمه الله -: (وليس عليه شيء في شجر مكة؛ لعدم ورود دليل تقوم به الحجة. وما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"في الدوحة الكبيرة إذا قُطعت من أصلها بقرة" لم يصح. وما يروى عن بعض السلف لا حُجَّةَ فيه)[43]. 

المسألة الثانية

ما يجوز قطعه

♦ أولاً: استثناء الإذخر من النبات بجواز القطع: 

اتفق العلماء: على استثناء الإذخر[44] بجواز القطع من نبات الحرم[45].

الأدلة:

1- ما جاء عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - يوم فَتْحِ مَكَّةَ: (إِنَّ هذا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ الله يوم خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ...، ولاَ يُخْتَلَى خَلاَهُ)، فقال الْعَبَّاسُ- رضي الله عنه: يا رَسُولَ اللَّهِ! إلاَّ الإِذْخِرَ؛ فإنه لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ [46]. قال:(إلاَّ الإِذْخِرَ)[47].

2- وفي لفظٍ: فقال الْعَبَّاسُ بن عبد الْمُطَّلِبِ - رضي الله عنه -: إلاَّ الإِذْخِرَ يا رَسُولَ اللَّهِ؛ فإِنَّه لاَ بُدَّ منه لِلْقَيْنِ وَالْبُيُوتِ، فَسَكَتَ ثُمَّ قال:(إلاَّ الإِذْخِرَ)[48].

3- وفي لفظٍ: فقال الْعَبَّاسُ - رضي الله عنه: إِلاَّ الإِذْخِرَ؛ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا[49]، فقال:(إلاَّ الإِذْخِرَ)[50].

وجه الدلالة: استثناء الإذخر بجواز القطع من نبات الحرم؛ لحاجة الناس إليه.

♦ ثانياً: جواز أخذ ما فيه منفعة من الشجر: 

هناك أمور فيها منفعة للناس من شجر الحرم؛ كالثمار والدواء ونحوها، وهي على النحو التالي:

أ- ما فيه منفعة للناس للتداوي ونحوه:

اختلف العلماء: في قطع ما فيه منفعة للناس للتداوي، على قولين، والراجح: جواز قطع ما فيه حاجة للدواء من شجر الحرم؛ كالسنا[51]، ونحوه، وقال به: مالك[52]، والشافعي[53].

واختلفوا: في أخذ السواك من شجر الحرم، على قولين، والراجح: الجواز؛ لأنَّ فيه منفعةً فأشْبَهَ الإذخر، وإليه ذهب الإمامان مالك[54]، والشافعي[55].

الأدلة:

إنَّ حاجة الناس إلى الدواء أشد من حاجتهم إلى الإذخر.

قال الزركشي - رحمه الله -: (إذا احتيج إليه كالدواء، فالأصح لا يحرم قطعه؛ لأن الحاجة إليه أهم من الحاجة إلى الإذخر، وقد استثناه الشرع)[56].

ب- ما فيه منفعة للناس للغذاء:

اتفق العلماء: على جواز أخذ الثمار من شجر الحرم؛ كالكمأة ونحوها، وما يُتغذَّى به؛ كالبقلة ونحوها، وهو قول الجمهور من الحنفية[57]، والمالكية[58]، والشافعية[59]، والحنابلة[60].

الأدلة:

1- خروجه عن مسمى الشجر والخلا، فهو ليس بشجر ولا حشيش.

2- حاجة الناس إليه، مثل حاجتهم إلى الإذخر، بل أشد.

3- قال النووي - رحمه الله -: (اتفق أصحابنا: على جواز أخذ ثمار شجر الحرم)[61].

4- قال ابن قدامة - رحمه الله -: (يباح أخذ الكمأة من الحرم)[62].

5- قال ابن عثيمين - رحمه الله -: (الكمأة والعساقل وبنات الأوبر أنوع داخلة تحت جنس واحد وهو الفقع، فهو حلال؛ لأنه ليس بأشجار ولا حشيش)[63].

♦ ثالثاً: جواز قطع ما أنبته الآدمي: 

أجمع العلماء: على جواز قطع ما أنبته الآدمي، من الزرع والبقول والرياحين، وممن نقل الإجماع: ابن المنذر[64]، والقاضي عياض[65]، والكاساني[66]، وابن قدامة[67].

واختلفوا: في قطع شجر الحرم الذي ينبت بمعالجة الآدمي مما لا ينبت بنفسه؛ كالجوز والنخيل، والراجح: جواز قطعه، وهو قول الجمهور[68].

الدليل:

ما زال الناس يزرعون ويحصدون في الحرم منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير من أحد.

دليل الإجماع:

حكى الإجماعَ على جواز قطع ما أنبته الآدمي غيرُ واحد من أهل العلم، ومنهم:

1- ابن المنذر - رحمه الله - قائلاً: (أجمعوا: على إباحة كلِّ ما يُنبته الناس في الحَرَم من البقول، والزروع، والرياحين، وغيرها)[69].

2- وابن بطال - رحمه الله - بقوله: (أجمع العلماء: على إباحة أخذ كل ما ينبته الناس في الحرم من البقول، والزرع، والرياحين، وغيرها، فوجب أن يكون ما يغرسه الناس من النخيل والشجر مباحٌ قَطْعُه؛ لأنَّ ذلك بمنزلة الزرع الذي يزرعونه، فقطعه جائز)[70].

3- وقال السرخسي - رحمه الله -: (أما ما يُنبته الناس عادة ليس له حرمة الحرم، سواء أنبته إنسان أو نبت بنفسه؛ لأن الناس يزرعون ويحصدون في الحرم من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، من غير نكير منكر، ولا زجر زاجر)[71].

♦ رابعاً: جواز قطع اليابس من الشجر والحشيش: 

اختلف العلماء: في قطع اليابس من شجر الحرم وحشيشه، على قولين، والراجح: جواز قطع اليابس من شجر الحرم وحشيشه، وهو قول الجمهور، وقال به أبو حنيفة[72]، والشافعي[73]، وأحمد[74]، ورجحه: النووي[75]، وابن تيمية[76]، وابن القيم[77].

الأدلة:

1- ما جاء عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حَرَّمَ اللهُ مَكَّةَ... لاَ يُخْتَلَى[78] خَلاَهَا[79]...)[80].

وجه الدلالة: في تحريم قطع الرَّطب من الكلأ والعشب، دلالة على جواز قطع اليابس منه.

2- أن النبت والشجر اليابس مثل الصيد الميت[81]، قال العيني - رحمه الله: (لا بأس بقطع اليابس؛ كما في الصيد الميت)[82].

3- جاز قطع النبت والشجر اليابس؛ لأنه مات وخرج عن حد النمو[83]. 

قال الكاساني- رحمه الله: (وَلا بَأْسَ بِقَلْعِ الشَّجَرِ الْيَابِسِ وَالانْتِفَاعِ بِهِ، وَكَذَا الْحَشِيشُ الْيَابِسُ؛ لأنَّهُ قد مَاتَ، وَخَرَجَ عن حَدِّ النُّمُوِّ)[84].

♦ خامساً: الانتفاع بالمكسور والمقلوع من الأغصان والشجر: 

لا خلاف بين العلماء: في جواز الانتفاع بما انكسر من الأغصان، وانقلع من الشجر، وسقط من الورق، بغير فعل آدمي[85]

الأدلة:

1- قوله صلى الله عليه وسلم عن مكة: (ولا يُعْضَدُ[86] شَجَرُهَا)[87]. 

2- وقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً)[88].

وجه الدلالة: دل الحديثان أن الشجرة إذا انقلعت بنفسها، أو انكسر غصنها، جاز الانتفاع به؛ لأنه لم يقطعه الآدمي.

3- قال ابن القيم - رحمه الله -: (وفي الحديث: دليل على أنه إذا انقلعت الشجرة بنفسها، أو انكسر الغصن، جاز الانتفاع به؛ لأنه لم يعضده هو، وهذا لا نزاع فيه)[89].

4- وقال ابن قدامة - رحمه الله -: (لا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان، وانقلع من الشجر، بغير فعل آدمي، ولا ما سقط من الوَرَق، نصَّ عليه أحمد، ولا نعلم فيه خلافاً)[90].

♦ سادساً: جواز الرعي في الحرم: 

اختلف العلماء: في رعي البهائم في الحرم، على قولين، والراجح: جواز رعي البهائم في الحرم، وقال به: مالك[91]، والشافعي[92]، وأحمد في الرواية الأخرى[93]، وأبو يوسف[94] صاحب أبي حنيفة.

الأدلة:

1- ما جاء عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -؛ أَنَّهُ قال: (أَقْبَلْتُ رَاكِبًا على حِمَارٍ أَتَانٍ، وأنا يَوْمَئِذٍ قد نَاهَزْتُ الاحْتِلاَمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بين يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ في الصَّفِّ، فلم يُنْكِرْ ذلك عَلَيَّ أَحَدٌ)[95].

وجه الدلالة: فيه دليل على جواز رعي البهائم في الحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ومَنْ معه من الصحابة - رضي الله عنهم - لم ينكروا إرسال الأتان ترتع في مِنًى.

2- كثرة إدخال الهدي في الحرم، ولم يُنقل أنَّ أفواهها كانت تُسد أو تُكمَّم[96].

3- حاجة الناس إلى الرعي؛ مثل حاجتهم إلى الإذخر[97].

قال ابن عابدين - رحمه الله -: (وأمْرُهم برعيها خارج الحرم فيه غاية المشقة)[98].

وعلى هذا؛ فإنَّ رعي البهائم في الحرم وأكلها من أشجاره وأعشابه بذواتها جائز شرعاً ولا حرج فيه، وإنَّما يحرم - كما مر بنا - أن يأخذ صاحبُ البهائم الكلأّ والعشبَ لعلف البهائم، والفرق واضح بين المسألتين.

د. محمود بن أحمد الدوسري

المراجع

[1] انظر: الإجماع، لابن المنذر (ص57)؛ شرح النووي على صحيح مسلم، (9/ 125)؛ المغني، (3/ 349)؛ فتح الباري، (4/ 44)؛ القِرى لقاصد أم القرى، (ص641).

[2] (يُعْضَد): يُقْطَع. قال أهل اللغة: العضد: القطع، يقال: عضدت الشجرة إذا قطعتها، وعضَد الشجر: قَطْعه بالمِعضَد، وهي حديدة تُتَّخذ لقطعه. انظر: غريب الحديث، لابن قتيبة (1/ 147)؛ لسان العرب، (10/ 182).

[3] رواه البخاري، (1/ 452)؛ (ح1284).

[4] رواه البخاري، (1/ 51)، (ح104).

[5] (الخلا): هو الرَّطب من الكلأ والعشب، ويحرم اختلاؤه، أي: قطعه واحتشاشه، أما:(اليابس) فيسمى: حشيشاً وهشيماً. انظر: زاد المعاد، (3/ 451)؛ فتح الباري، (4/ 48).

[6] رواه البخاري، (1/ 452)؛ (ح1284).

[7] انظر: إعلام الساجد بأحكام المساجد، (ص157)؛ فتح الباري، (4/ 44).

[8] انظر: المبسوط، (4/ 104).

[9] انظر: المغني، (3/ 169).

[10] انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، (9/ 126).

[11] انظر: المغني، (3/ 169).

[12] انظر: زاد المعاد، (3/ 450).

[13] (لاَ يُعْضَدُ): أي: لا يُقطع.

[14] رواه البخاري، (2/ 575)، (ح1510).

[15] رواه البخاري، (2/ 857)، (ح2302)؛ ومسلم، (2/ 988)، (ح1355).

[16] (يُخْبَطُ): أي: يُضْرَب بالعصا ونحوِها؛ ليسقط ورقه. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، (9/ 125).

[17] رواه مسلم، (2/ 989)، (ح1355).

[18] المغني، (3/ 169).

[19] فتح الباري، (4/ 44).

[20] انظر: المبسوط، (4/ 104)؛ البحر الرائق، (3/ 78).

[21] انظر: الفروع، (3/ 477)؛ الإنصاف، (3/ 555).

[22] انظر: المجموع، (7/ 453)؛ مغني المحتاج، (2/ 307).

[23] انظر: المحلى، (7/ 261).

[24] قول مجاهد: (شَهِدَ ابنُ عُمَرَ الْفَتْحَ...) محمول على أنه سمع ذلك منه؛ لطول ملازمته له، وقد سمع منه شيئاً كثيراً، وحديثه عنه في (الصحيحين)، وكانت سِنُّه حين توفي ابن عمر قد أربت على الخمسين.

[25] (فَرَسٌ حَرُونٌ): الفرس الحرون: هو الذي لا ينقاد، وإذا اشتد به الجري وقف. يقال: حرنت الدابة تحرُن حِراناً وحُراناً، وحَرُنت لغتان. انظر: لسان العرب، (4/ 100).

[26] (يختلي لِفَرَسِهِ) أي: يحتش.

[27] قوله: (إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ): قيل: يريد به مدحه وتعظيمه في أكثر من وصف، ولا يتحقق ذلك لو ذكر الخبر، فإنه يتقيد به ولا يتعداه إلى سواه. وقيل: هو خبر فيه تغليظ من النبي صلى الله عليه وسلم على ابن عمر - رضي الله عنهما، وإنكار لفعله. وقيل: قديره: مما يخاف عليه ونحو ذلك، قاله شفقة عليه. انظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد (4/ 172).

[28] رواه ابن سعد في (الطبقات الكبرى)، (4/ 172)؛ وأحمد في (المسند)، (2/ 12)، (ح4600)؛ وفي (فضائل الصحابة)، (2/ 894)، (ح1700)؛ والفاكهي في (أخبار مكة)، (3/ 370)، (ح2227)؛ وأبو نعيم الأصبهاني في (معرفة الصحابة)، (3/ 1712)، (ح4309). وقال محققو المسند (8/ 207)، (ح4600): (إسناده صحيح على شرط الشيخين).

[29] قوله: (أين عبد الله؟ أين عبد الله؟) كالمستفهم المُنكِر لفعله.

[30] رواه البيهقي في (سننه)، (5/ 201)، (ح9764)؛ وأبو القاسم الشافعي في (تاريخ مدينة دمشق)، (ح31/ 97).

[31] (نِضْوَاً لِي): النِّضْو بالكسر: هو البعير المهزول، وقيل: هو المهزول من جميع الدواب، وهو أكثر، والجمع أنضاء. انظر: لسان العرب، (14/ 148).

[32] رواه الفاكهي في (أخبار مكة)، (3/ 370)، (رقم2225)؛ وابن جرير الطبري في (تهذيب الآثار)، (1/ 17)، (رقم25)؛ والطحاوي في (شرح مشكل الآثار)، (8/ 177)؛ و(مختصر اختلاف العلماء)، (2/ 130)؛ وأورده السيوطي في (جامع الأحاديث ـ الجامع الصغير وزوائده والجامع الكبير) واللفظ له، (14/ 251)، (رقم3199). وإسناده صحيح.

[33] شرح مشكل الآثار، (8/ 180).

[34] انظر: تهذيب الآثار، للطبري (1/ 235).

[35] انظر: الموطأ، (1/ 420)؛ المدونة، (1/ 451).

[36] انظر: المغني، (3/ 170).

[37] انظر: البناية، (4/ 356).

[38] انظر: الفروع، (3/ 478).

[39] انظر: المحلى، (7/ 261).

[40] الموطأ، (1/ 420).

[41] المغني، (3/ 170). وانظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال، (4/ 498).

[42] المحلى، (7/ 261).

[43] الروضة الندية، (2/ 84).

[44] الإذخر: نبت طيب الرائحة معروف عند أهل مكة، له أصل مندفن، وقضبان دقاق يَنبت في السهل والحزن، يُسقَّف به البيوت فوق الخشب، ويستخدم في تطييب الموتى. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (1/ 33)؛ فتح الباري، (4/ 49).

[45] انظر: الإجماع، لابن المنذر (ص57)؛ شرح النووي على صحيح مسلم، (9/ 125)؛ المغني، (3/ 349)؛ فتح الباري، (4/ 44)؛ القِرى لقاصد أم القرى، (ص641)؛ إعلام الساجد بأحكام المساجد، للزركشي (ص160).

[46] (فإنه لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ): القَيْن: بفتح القاف، هو الحدَّاد والصَّائغ، والمعنى: يحتاج إليه القَيْنُ في وقود النار، ويُحتاج إليه في سقوف البيوت يجعل فوق الخشب. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، (9/ 127).

[47] رواه البخاري، (3/ 1164)، (ح3017)؛ ومسلم، (2/ 986)، (ح1353).

[48] رواه البخاري، (4/ 1567)، (ح4059).

[49] (لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا): أي: يُحتاج إليه في القبور؛ لِتُسَدَّ به فُرَجُ اللَّحد المتخلِّلة بين اللَّبنات). انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، (9/ 127).

[50] رواه البخاري، (1/ 452)، (ح1284).

[51] السنا: نبت حجازي أفضله المكي. قيل: إنه نافع للصداع العتيق، والجرب، والبثور، والحكة. انظر: زاد المعاد، (4/ 75).

[52] انظر: المدونة، (1/ 451)؛ التاج والإكليل، (4/ 262).

[53] انظر: المجموع، (7/ 451)؛ مغني المحتاج، (2/ 307).

[54] انظر: حاشية الدسوقي، (2/ 321)؛ حاشية العدوي، (2/ 373).

[55] انظر: إعلام الساجد، (ص159)؛ مغني المحتاج، (2/ 306).

[56] إعلام الساجد بأحكام المساجد، (ص158).

[57] انظر: المبسوط، (4/ 105)؛ بدائع الصنائع، (2/ 316).

[58] انظر: مواهب الجليل، (4/ 264).

[59] انظر: الحاوي الكبير، (4/ 313)؛ مغني المحتاج، (2/ 307).

[60] انظر: المغني، (3/ 351)؛ الفروع، (3/ 475).

[61] المجموع، (7/ 379).

[62] المغني، (3/ 170).

[63] الشرح الممتع، (7/ 253).

[64] انظر: الإجماع، (ص57).

[65] انظر: شرح صحيح مسلم، للقاضي عياض (4/ 471).

[66] انظر: بدائع الصنائع، (2/ 316).

[67] انظر: المغني، (3/ 349).

[68] انظر: المبسوط، (4/ 103)؛ التاج والإكليل، (4/ 262)؛ المهذب، (1/ 399)؛ الإنصاف، (3/ 553).

[69] الإجماع، (57).

[70] شرح صحيح البخاري، لابن بطال (4/ 498).

[71] المبسوط، (4/ 103).

[72] انظر: بدائع الصنائع، (2/ 210)؛ البحر الرائق، (3/ 76).

[73] انظر: هداية السالك، (2/ 718)؛ مغني المحتاج، (2/ 305).

[74] انظر: المغني، (3/ 350)؛ الفروع، (3/ 475).

[75] انظر: المجموع، (7/ 448).

[76] انظر: مجموع الفتاوى، (26/ 117).

[77] انظر: زاد المعاد، (3/ 450).

[78] (يُخْتَلَى): يُقْطَع.

[79] (الخلا): هو الرَّطب من الكلأ والعشب، واختلاؤه: قطعه، فإذا يبس فهو حشيش. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (2/ 75)؛ لسان العرب، (5/ 151).

[80] رواه البخاري، (1/ 452)؛ (ح1284).

[81] انظر: المغني، (3/ 350)؛ فتح الباري، (4/ 48).

[82] عمدة القاري، (2/ 166).

[83] انظر: الهداية، (3/ 94).

[84] بدائع الصنائع، (2/ 210).

[85] انظر: بدائع الصنائع، (2/ 210)؛ رد المحتار، (3/ 603)؛ مطالب أولي النهى، (2/ 378).

[86] (ولا يُعْضَد): أي: لا يُقْطَع.

[87] رواه البخاري، (1/ 452)؛ (ح1284).

[88] رواه البخاري، (1/ 51)، (ح104).

[89] زاد المعاد، (3/ 450).

[90] المغني، (3/ 169).

[91] المدونة، (1/ 451)؛ مواهب الجليل، (4/ 262).

[92] انظر: المهذب، (1/ 400)؛ مغني المحتاج، (2/ 307).

[93] انظر: المغني، (3/ 351)؛ الإقناع، (1/ 606).

[94] انظر: المبسوط، (4/ 104)؛ البحر الرائق، (3/ 78).

[95] رواه البخاري، (1/ 187)، (ح471)؛ ومسلم، (1/ 361)، (ح504).

[96] انظر: رد المحتار، (3/ 606)؛ مغني المحتاج، (2/ 305)؛ المغني، (3/ 351).

[97] انظر: المهذب، (1/ 400)؛ مطالب أولي النهى، (2/ 378).

[98] منحة الخالق على البحر الرائق - بهامش البحر الرائق، (3/ 78).

مواد متعلقة

القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك كل جديد لدينا