الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وخاتم النبيين، وبعد:
يقول المفسرون في قوله، تبارك وتعالى، في سورة هود:
((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)) [هود:7].
إن أول ما خلق الله من الأرض مكان الكعبة، ثم دحا الأرض من تحتها، فهي سرة الأرض ووسط الدنيا، وأم القرى أولها الكعبة، وفى قول آخر إن قواعد البيت خلقت قبل الأرض بألفي سنة، ثم بسطت الأرض من تحتها.
وليس المقصود بالسنة في هذا القول السنة التي نعد بها في تقويمنا الدنيوي، فالله جلت قدرته يقول في سورة السجدة:
((يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)) [السجدة:5].
يقول في سورة الحج:
((وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)) [الحج:47].
أي أن اليوم الكوني مقداره ألف سنة من سنوات الدنيا. هذا عن اليوم الكوني، فما بالك بالسنة الكونية.
وهاتان الآيتان الكريمتان هما من آيات الإعجاز العلمي في القرآن؛ فقد أثبتت القياسات العلمية الحديثة التي أدت إلى رحلات غزو الفضاء أن سرعة الضوء في الفضاء مقدارها على وجه التحديد 299.792.5 كيلو متر في الثانية الواحدة، فما بالك بهذه السرعة في الدقيقة الواحدة، وفي الساعة الواحدة، وفي اليوم الواحد، وفي الشهر الواحد، وفي السنة الواحدة؛ فالسنة الكونية وفق هذا القياس تقدر بعشرات الملايين من سنواتنا التي نعد بها.
ويقول المفسرون في قوله تعالى في سورة آل عمران:
((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ)) [آل عمران:96].
إنه أول بيت وضع في الأرض، أي: أنه لم يكن قبله بيوت في الأرض، وأن الله خلق موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئاً من الأرض.
وقد أختلف في هذا القول، فقيل: إنه أول بيت وضع للتعبد، أي: أنه كان قبله بيوت في الأرض، ذلك أن القول الأول خير موقوت من قبل بعض الصحابة والتابعين، رضوان الله عليهم، وأنه ليس خبراً مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم.
هذا ويذكر أن عالماً أمريكياً أثبت باستخدام أجهزة علمية حديثة في دراسة له عن المواقع الطبوغرافية عن الكوكب الأرضي أن الإشعاعات الكونية تتلاقى عند مكة المكرمة، أي: أن مكة المكرمة نقطة الالتقاء الباطنية في الأرض للإشعاعات الكونية.
ومنذ حوالي ثلاثين عاماً قام الدكتور حسين كمال الدين أحمد إبراهيم أستاذ الهندسة المساحية والفلك الكروي في جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية وقتذاك بإجراء بحوث بقصد تعيين مواقيت الصلاة في أي زمان وفي أي مكان في الأرض يوجد به مسلمون، وقد خلص في هذه البحوث إلى إثبات أن مكة المكرمة هي مركز الأرض اليابسة، ووضع في ذلك نظرية هندسية سماها الإسقاط المساحي المكي للعالم.
ويتردد في هذه الأيام أن أبحاث غزو الفضاء أثبتت أن مكة المكرمة هي مركز الكرة الأرضية.
وقد أردت التثبت من هذا الرأي فكتبت إلى هيئة الاستشعار عن بعد بوكالة الفضاء الأمريكية (ناساNasa) أستفسر منها عما إذا كانت الأقمار الصناعية التي أطلقت في الفضاء التقطت صوراً للأرض تثبت أن مكة المكرمة هي مركزها، وعما إذا كان يوجد لديها تقرير علمي عن ذلك، غير أني لم أتلق منها رداً على مكاتباتي لها في هذا الصدد.
وفي عام 1995م عقد في قسم الجيولوجيا بكلية العلوم بجامعة القاهرة مؤتمر علمي كان من بين أعضائه الدكتور فاروق الباز رئيس هيئة الاستشعار عن بعد بوكالة الفضاء الأمريكية، وفي اتصال هاتفي معه -حيث تعذر علي لقاؤه لارتباطاته الكثيرة أثناء وجوده في القاهرة- سألته إن كان لدى الهيئة تقرير أو صور تثبت ذلك، فأخبرني أنه ليس لدى الهيئة ما يؤكد أو ما ينفي ذلك.
وكانت الكعبة المشرفة حين دخلها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على بناء قريش، وهو البناء الذي شارك فيه قبيل بعثته، وكانت الكعبة المشرفة مقام على صفين من الأعمدة، صف مواز لجدارها الشرقي، وصف مواز لجدارها الغربي، وفي كلا الصفين ثلاثة أعمدة، كل منها على سمت العمود المقابل له، كما كان باب الكعبة المشرفة مصراعاً واحداً.
ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة المشرفة يوم الفتح، وكان معه بلال، وأسامة بن زيد، وعثمان بن أبي طلحه الحجبي، وفي رواية أخرى، ومعهم الفضل بن عباس، رضي الله عنهم، صلى فيها صلى الله عليه وسلم ركعتين في مكان حددته الرواية التي أثبتت ذلك تحديداً دقيقاً.
ففي رواية عبد الله بن عمر، عن بلال، رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى قبل وجهه وجعل الباب قبل ظهره حتى كان بينه وبين الجدار (الغربي) الذي قبل وجهه قريباً من ثلاثة أذرع، وجعل عموداً عن يساره وعمودين عن يمينه في الصف المقدم من الأعمدة وثلاثة أعمدة من ورائه، وجعل الباب خلف ظهره واستقبل بوجهه الذي يستقبل حين يلج البيت ثم صلى ركعتين، وبعد أن دعا الله في نواحي الكعبة المشرفة خرج وصلى ركعتين في وجهها.
وفي رواية عن عبد الله بن عباس، عن أسامة بن زيد، رضي الله عنهم، أنه لم يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الكعبة المشرفة حين دخلها يوم الفتح، وإنما سبح وكبر، وحمد الله، ثم دعا في أركان الكعبة المشرفة وخرج منها وصلى ركعتين أمام باب الكعبة.
وعن اختلاف بلال وأسامة، رضي الله عنهما، في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة المشرفة حكم العلماء بترجيح رواية بلال لأنه أثبت وضبط ما لم يضبطه أسامة؛ ولأن المثبت مقدم على النافي.
وبعد بناء قريش للكعبة المشرفة بناها عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما، والحجاج بن يوسف الثقفي.
وفي هذين البنائين اختلفت معالم داخل الكعبة المشرفة عما كانت عليه في بناء قريش، وهو ما ظلت عليه بعد إعادة بنائها الأخير في عهد السلطان العثماني مراد الرابع سنة 1040هـ.
وبسبب تغير معالم جوف الكعبة المشرفة بعد بناء عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما، لها، وبناء الحجاج بن يوسف الثقفي لها، وضعت علامات تحدد اتجاه الداخل من باب الكعبة المشرفة يتوخى مكان مصلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتحدد أيضاً مكان مصلاه صلى الله عليه وسلم.
وفي أوائل القرن السابع الهجري أحدثت في الكعبة المشرفة بدعتان:
الأولى: هي ما سميت بالعروة الوثقى التي من نالها بيده أو لمسها بيده فقد استمسك بالعروة الوثقى.
والثانية: هي ما سمي بمسمار سرة الدنيا، وهو مسمار في وسط البيت الذي من يضع سرته عليه يكون قد وضعها على سرة الدنيا.
وقد أدى ذلك إلى تزاحم الرجال والنساء واختلاطهم ببعض وحدوث ما يترتب على ذلك من أذى وكشف العورات، وقد ألغيت هاتان البدعتان سنة 701هـ وسنة 702هـ.
فكان الحاج عندما يدخل الكعبة المشرفة يقصده أحد الفجرة -الذين تنسب إليهم معظم الروايات إحداث هاتين البدعتين- ليطوف به على أركان الكعبة المشرفة ولا يمكنه من أن ينال بيده أو أن يلمس بها العروة الوثقى، أو أن ينبطح ويضع سرته على المسمار المسمى بمسمار سرة الدنيا إلا بعد أن يدفع له أجراً على ذلك فتنثال عليهم الدنانير والدراهم من الحجاج.
ولم يكن سدنة الكعبة المشرفة في القرون الإسلامية الأولى يتعرضون لأحد من الحجاج، ولا يقبلون مالاً ممن يدخل الكعبة المشرفة إذا عرضه عليهم، ولا يغترون بشيء من حطام الدنيا.
وقد ذكرت لنا المصادر بعض الأمثلة عن تعفف سدنة الكعبة المشرفة عما عرضه عليهم بعض الخلفاء من قضاء حوائجهم.
مثال ذلك: أنه عندما دخل سالم بن عبد الله الحجبي مع الخليفة هشام بن عبد الملك الكعبة المشرفة أبى أن يسأله شيئاً من حوائج الدنيا عندما طلب منه هشام بن عبد الملك أن يسأله ما يحتاجه.
وكذلك منصور الحجبي مع الخليفة المهدي عندما سأله أن يذكر له حاجته، فقال له: إنى لأستحي أن أسأل في بيته غيره. ولكي تتوافر لسدنة الكعبة المشرفة سبل الحياة الكريمة فلا يضطرون لسؤال أحد حاجة من حوائج الدنيا أو تمتد أيديهم لأخذ المال من الحجاج، وتقديراً لقيامهم على خدمة البيت، فقد خصص لهم خلفاء وسلاطين وملوك المسلمين على تعاقب العصور مخصصات وأرزاقاً شهرية أو سنوية.
غير أنهم بعد الستمائة من الهجرة أصبحوا في حاجة إلى المال من قبيل البر بهم، بسبب توقف ما كان يرسل إلى أمراء مكة وإليهم من مخصصات وأرزاق من وقت لآخر لسوء الأحوال السياسية والاقتصادية في الدول الإسلامية عامة.
وكانت مكة، على وجه التخصيص، كثيراً ما تعاني من الفتن والاضطرابات بسبب الصراعات الأسرية على إمارتها وبخاصة منذ هذه الفترة، ومن سوء الأحوال المعيشية بسبب شح المواد الغذائية وارتفاع أسعارها، الأمر الذي كان يدفع أمراء مكة من وقت لآخر بسبب حاجتهم الشديدة إلى الأموال، وبخاصة في الأوقات التي كان يتوقف فيها إرسال المعونة لهم، إلى فرص الجبايات والمكوس على أهلها مما كان يزيد في معاناتهم.
وكثيراً ما كان خلفاء وسلاطين وملوك المسلمين يعوضون سدنة الكعبة المشرفة عما كانوا يأخذونه من مال على سبيل البر بهم ممن يدخل الكعبة المشرفة من الحجاج.
وكان آخر العهد بهم بذلك بعد أن اشتكى الحجاج للمغفور له الملك عبد العزيز آل سعود -طيب الله ثراه- من عدم سماح السدنة لهم بدخول الكعبة المشرفة إلا بعد دفع ما كان مقرراً على كل من يدخلها، فأمر -رحمه الله- بمنع أخذ هذا المقرر وعوض السدنة عنه بمبلغ من المال يأخذونه كل شهر.
وقد بدأ هذا المبلغ بثمانية آلاف ريال، وظل يتزايد عاماً بعد عام، ويوزع على كل بني شيبة بأنصبة متساوية ماعدا شيخهم فله سهمان كما هي عادتهم في توزيع ما يمنح لهم من هدايا ومخصصات.
وكان لبني شيبة الحق في أخذ كسوة الكعبة القديمة بعد استبدالها بالكسوة الجديدة، وكان ذلك مصدر رزق كبير لهم، فقد كانوا يبيعونها قطعاً قطعاً لمن يريد التبرك بها من عامة المسلمين، ويهدون منها لكبار الشخصيات الإسلامية.
وقد رأى المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود -طيب الله ثراه- احتفاظ الحكومة السعودية بالكسوة القديمة كأثر تاريخي، وأن يهدى منها إلى ضيوف المملكة في موسم الحج، وعوض بني شيبة عن ذلك بمبلغ من المال ظل يتزايد عاماً بعد عام، فقد بلغ سنة 1402هـ نصف مليون ريال.. ووقتها كانت كسوة الكعبة الجديدة تتكلف سبعة ملايين ريال، وبلغ أخيراً سنة 1415هـ مليون ريال حسبما أخبرنا به أحد رجال بني شيبة.
ومن ثم كانت هذه الدراسة التي تهدف إلى المزيد من التثبت من أن مكة المكرمة هي مركز الأرض وصولاً إلى إثبات أن الكعبة المشرفة هي أول ما خلق الله وأنها سرة الأرض ووسط الدنيا، وبالتالي أن مكان مصلى النبي صلى الله عليه وسلم، في الكعبة المشرفة الذي اهتدى إليه يقينا بوحي من الله، سبحانه وتعالى، هو سرة الأرض ووسط الدنيا.
وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة المشرفة في المكان الذي حددته الروايات التاريخية تحديداً دقيقاً، والذي سبق أن ذكرناه نقلاً عنها، ترجح ما ذكره مؤرخو مكة المكرمة من أنه الموضع الذي تاب الله تعالى فيه على آدم، والذي يعرف بمصلى آدم، وبالمستجار من الذنوب، وهو يقع بين الركن اليماني والباب الذي فتحه عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، عندما أعاد بناء الكعبة المشرفة في جدارها الغربي مقابل بابها الشرقي، ثم سده الحجاج بن يوسف الثقفي وأصبح يعرف بالباب المسدود. ودراستنا هذه تتكون من قسمين..
في القسم الأول منها: اعتمدنا على ما جاء في كتاب الله والسنة وكتب التفسير والمصادر التاريخية وكتب الرحالة عن بدء الكون وخلق السموات والأرض،سوالكعبة المشرفة، ومكة المكرمة، ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة المشرفة، والبدعتين.
وأما القسم الثاني منها: فهو دراسة علمية لإثبات هذه الحقائق، فكانت دراستنا لبيان أوجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فيما يختص بالنظرية النسبية لأينشتين التي تعد أهم حدث علمي في عصرنا الحاضر والتي أدت إلى انطلاق رحلات غزو الفضاء، وما تمخضت عنه من أبحاث عن نظرية (الانفجار العظيم) التي تتطابق مع ما جاء في القران الكريم عن بدء الكون وخلق السموات والأرض.
وكانت دراستنا أيضاً للخارطات الجغرافية العربية للعالم ولدوائر دلائل القبلة التي وضعها علماء المسلمين، فلكيون وجغرافيون، والتي أوضحوا فيها أن مكة المكرمة هي مركز الأرض، وحددوا فيها اتجاهات القبلة للمسلمين في البلدان الإسلامية في العالم القديم.
ويطيب لي أن أذكر في هذه المقدمة أني استعنت بالدكتور مسلم شلتوت نائب رئيس شعبة بحوث الشمس والفضاء بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية التابع لوزارة البحث العلمي في جمهورية مصر العربية لإجراء دراسة بمقاييس العلوم الفلكية والجيوفيزيقية الحديثة لمزيد من التثبت من صحة نظرية الدكتور حسين كمال الدين أحمد إبراهيم عن الإسقاط المساحي المكي للعالم، وعن صحة ما جاء في الخارطات الجغرافية العربية للعالم ودوائر دلائل القبلة عن مكة المكرمة والكعبة المشرفة.
ومن الخارطات الجغرافية للعالم التي رسمها غير العلماء المسلمين، تلك الخارطة التي رسمها البندقي مارينو سنودو Marino Sanodu أحد كبار الدعاة الصليبيين، كخارطة توضيحية مرفقة بكتاب الأرض المقدسة Opus Terrae Sanctae الذي قدمه للبابا سنة 1321م عن مشروعه الصليبي الجديد لاسترجاع الأرض المسيحية المقدسة بعد أن أجلاهم عنها المسلمون نهائياً سنة 1291م.
وفي هذه الخارطة تظهر مدينة أورشليم مركز العالم، وفي أعلاها الجنة. وبالرجوع إلى دعوة البابا أربان الثاني في مجمع كليرمونت الديني سنة 1095م للقيام بحملة صليبية لاسترجاع القبر المقدس وأورشليم من المسلمين، نجد البابا يتحدث عن مكانة أورشليم المقدسة عند المسيحيين ويصفها بأنها سرة الأرض، وكان علينا أن نتوقف للبحث عن صحة هذا الاعتقاد.
وقد اتضح لنا أن المسيحيين أخذوا ذلك الاعتقاد عن اليهود الذين يعتقدون فيما ورد من روايات في التلمود أن الصخرة الشريفة، والهيكل الذي بناه سليمان، عليه السلام، عليها، ومدينة أورشليم حولهما، هي أول ما خلق الله من الأرض، وأنها سرة الأرض، وأنه إذا كانت أورشليم الأرض في اعتقاد اليهود هي عاصمتهم الأرضية الأبدية، فهي في اعتقاد المسيحيين أورشليم السماء التي وعد الله الفائزين بها برضوانه تعالى.
وبدراسة ما ورد في التلمود من روايات عن خلق الكون اتضح أنها أساطير وردت شفاهة وبالتواتر على لسان حاخامات اليهود، جيلاً بعد جيل، إلى أن بدءوا في تدوينها منذ القرن الأول الميلادي.
ويحتوى القسم الأول من هذه الدراسة على الفصول التالية: - الفصل الأول: بدء الكون وخلق السموات والأرض.
- الفصل الثاني: الكعبة المشرفة ومكة المكرمة.
بدء الكون وخلق السموات والأرض وردت في كتاب الله تعالى آيات كثيرة عن بدء الكون وخلق السموات والأرض، فالله جل شأنه هو الخالق للكون، وهو الذي بدأه وهو الذي يعيده. فالقرآن الكريم أنزل في 6236 آية، منها 750 آية كونية، ومن هذه الآيات الكونية 461 آية عن الأرض والسموات.
وعن بدء الكون وخلق السموات والأرض نستشهد ببعض هذه الآيات ذات الدلالة الكبرى على قدرة الخالق عز وجل. يقول تعالى في سورة الأنعام: ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)) [الأنعام:73] ويقول تعالى في سورة الكهف: ((مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا)) [الكهف:51]. ويقول تعالى في سورة الأحقاف: ((مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ)) [الأحقاف:3]. ويقول تعالى في سورة الروم: ((اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) [الروم:11] ويقول تعالى في سورة الروم: ((وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ)) [الروم:22]. ويقول تعالى في سورة الروم: ((وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [الروم:27]. ويقول تعالى في سورة الأنبياء: ((قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) [الأنبياء:4]. ويقول تعالى في سورة الدخان: ((فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ)) [الدخان:10]. ويتفق أهل العلم جميعاً من أهل الإسلام أن الله عز وجل خلق الأشياء على غير مثال، وابتدعها من غير أصل، وأن ما ذكر من الأخبار في مبدأ الخليقة هو ما جاءت به الشريعة، وأن إرادته شاءت أن ينفرد وحده بمعرفة القول في السماء والأرض( ). ويأمرنا الله عز وجل بالسير في الأرض والنظر في كيفية بدء الخلق. يقول تعالى في سورة العنكبوت: ((قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [العنكبوت:20]. ويقول تعالى في سورة يونس: ((قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ)) [يونس:101]. ويقول تعالى في سورة آل عمران: ((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)) [آل عمران:191].
ويقول تعالى في سورة الأعراف:
((أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)) [الأعراف:185].
إن هذا الكون الذي يأمرنا الله سبحانه وتعالى بالنظر فيه يحدثنا عنه الدكتور عبد الحليم منتصر أحد أبرر علماء الطبيعة العرب في عصرنا، وأحد رواد تاريخ العلوم عند العرب، ويعطينا مجرد تصور له، فلنستمع إلى حديثه لندرك قدرة الخالق عز رجل في خلقه. يقول: (إن هذا الكون الذي يمتد، فيما يقول العلماء، عشرات البلايين من السنين الضوئية التي تقدر فيها الثانية بثلاثمائة ألف كيلو متر، فما بالك بالدقيقة فالساعة والشهر والسنة، وتسبح فيه بلايين الأجرام السماوية وملايين السدم، وفي كل سديم ملايين النجوم والكواكب والأقمار، وما المجموعة الشمسية التي تدور في فلك الشمس إلا واحدة من ملايين المجموعات، فهل يستطيع إنسان مهما أوتي من علم أن يحيط علمه بهذا الكون!).
إن كل ما أمكن رصده في عصرنا الحاضر من بلايين المجرات هذه بالمناظير الفلكية الحديثة لا يتجاوز 400 مليون مجرة.
وعن تدبير هذا الكون يقول، سبحانه وتعالى، في سورة السجدة:
((يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)) [السجدة:5].
ويقول، سبحانه وتعالى، في سورة الحج:
((وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)) [الحج:47]
والمعنى في هاتين الآيتين أن مسيرة ألف سنة قمرية من سنوات الدنيا تقطع في يوم واحد من أيامنا.
وقد توصل أحد الباحثين المحدثين في علوم الفضاء إلى أن السرعة القصوى في الفضاء مقدارها حوالي300.000 كيلو متر في الثانية، وعلى وجه الدقة 299.792.5 كيلو متر في الثانية، وهو ما سبق أن قاله عبد الحليم منتصر في بحثه المشار إليه.
وهذه السرعة هي التي سجلتها أيضاً الموسوعات العلمية بعد إجراء العديد من القياسات الحديثة للسرعة القصوى في الفضاء، وهي ثابتة لا تتغير بالنسبة لكل القوى التي تسبح في الفضاء.
وهذا يعنى توحد كل القوى في الكون في أمر واحد وفق تقدير واحد يفصله القران الكريم بما يكشف خصائص القوى في الكون وانتقالها جميعاً بسرعة حدية ثابتة في كل مكان على طول الزمان، وتدل على قدرة الخالق، عز وجل، في تدبير الكون.
ووفقا لهذا القياس لسرعة الضوء بالكيلو مترات في الثانية الواحدة، فإن المسافة بين الأرض والشمس مقدارها 8 دقائق ضوئية، والمسافة بين الأرض والقمر مقدارها 1.25 ثانية ضوئية.
غير أن هذا المقدار لليوم الكوني في هاتين الآيتين بألف سنة مما نعد ليس تحديداً ثابتا يعد به كل الأيام التي ورد ذكرها في القران الكريم، وكذلك السنة فقد تعنى سنة من السنوات التي نعد بها، وقد تعنى أكثر مما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
فاليوم في القران الكريم يعنى فترة فلكية أو حقبة زمنية محددة تختلف باختلاف الحدث الذي تتحدث عنه الآية القرآنية، والله، سبحانه وتعالى، هو الذي يحدد لكل حدث مدته الزمنية.
إن الحقائق العلمية عن الكون التي عرفت نتيجة لأبحاث غزو الفضاء -مع انبهارنا بها وإدراكنا لقيمتها ولأهميتها التطبيقية في مسيرة الحضارة البشرية-، لا تمثل سوى. 10% عن حقيقة الكون، وأنه لا يزال في تقدير العلماء90% من مادة الكون غير مرئية وغير معروفة لنا على وجه الدقة.
وصدق عز وجل من قائل إنه هو الذي يعلم القول في السماء والأرض.
وعن خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، قال سبحانه وتعالى في سورة الحديد:
((هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) [الحديد:4].
وقد ورد أيضاً ذكر خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش في سورة السجدة (آية: ه)، وفي سورة الأعراف (آية: 54)، وفي سورة يونس (آية: 3) وفي سورة الفرقان (آية: 59)، وفي سورة الرعد (آية: 2. وفي سورة هود يقول سبحانه وتعالى: ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)) [هود:7]. وهى الآية الوحيدة في القران الكريم التي ورد فيها ذكر: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ). وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين( ) عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: {كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض}. وفي رواية ثانية له: {كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء}. وفي رواية لغيره قول النبي صلى الله عليه وسلم: {كان الله ولم يكن شيء معه، وكان عرشه على الماء، ثم كتب في الذكر كل شيء}( ). ويفسر الماء في قوله تعالى: (وكان عرشه على الماء) أنه ليس هو ماء البحر، بل هو ماء تحت العرش بكيفية شاءها الله( ). وفى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو( )، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء}( ). وهذا يعنى أن الله خلق الماء سابقاً، ثم خلق العرش على الماء، وأن الماء والعرش كانا مبتدأ هذا العالم لكونهما خلقا قبل السموات والأرض، ولم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء( ). وعن سعيد بن جبير( ) قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى: (وكان عرشه على الماء). قلت: على أي شيء كان الماء قبل أن يخلق شيء. قال: {على متن الريح}. قال ابن جريج( )، قال سعيد بن جبير، فقال ابن عباس: {فكان يصعد إلى السماء بخار كبخار الأنهار فاستصبر فعاد صبيراً}، فذلك قوله: ((ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)) [فصلت:11]( ). ويروى أيضاً عن ابن عباس قوله: {لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض بعث ريحاً فصفقت الماء فأبرزت عن خشفة في موضع البيت كأنها قبة فدحا الأرض تحتها فأوتدها بالجبال، والخشفة واحدة الخشف تنبت في البحر نباتا. وقد جاء في الأخبار: إن أول ما خلق الله في الأرض مكان الكعبة، ثم دحا الأرض من تحتها، فهي سرة الأرض ووسط الدنيا وأم القرى أولها الكعبة؛ ومكة حول بكة، وحول مكة الحرم، وحول الحرم الدنيا. وعن ابن عباس أيضاً: [[إن قواعد البيت خلقت قبل الأرض بألفي سنة، ثم بسطت الأرض من تحت الكعبة]]( ). ويروي المثنى( ) عن إسحاق، عن إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه( ) يقول: إن العرش كان قبل أن يخلق الله السموات والأرض، ثم قبض قبضة من صفاء الماء، ثم فتح القبضة، فارتفع دخان، ثم قضاهن سبع سموات في يومين، ثم أخذ طينة من الماء فوضعها مكان البيت، ثم دحا الأرض منها، ثم خلق الأقوات في يومين، والسموات في يومين، وخلق الأرض في يومين، ثم فرغ من آخر الخلق يوم السابع}( ). وعن كيف خلق الله السموات والأرض يقول سبحانه في سورة البقرة: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) [البقرة:29]. ويقول سبحانه في سورة فصلت (1): ((قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ)) [فصلت:9] * ((وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ)) [فصلت:10] * ((ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)) [فصلت:11] * ((فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)) [فصلت:12] ويقول سبحانه في سورة الأنبياء: ((أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ)) [الأنبياء:30]. ويقول سبحانه في سورة النازعات: ((أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا)) [النازعات:27] * ((رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا)) [النازعات:28] * ((وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا)) [النازعات:29] * ((وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا)) [النازعات:30] * ((أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا)) [النازعات:31] * ((وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا)) [النازعات:32] * ((مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)) [النازعات:33] ويقول سبحانه في سورة غافر: ((لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)) [غافر:57]. وفي تفسير هذه الآيات السابقة عن كيفية بدء الخلق يقول المفسرون إن الله خلق للناس ما في الأرض جميعاً لأن الأرض وجميع ما فيها لبني آدم منافع، أما في الدين فدليل على وحدانية ربهم، وأما في الدنيا فمعاش وبلاغ لهم إلى طاعته وأداء فرائضه. والقول في تأويل قوله تعالى: ((ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ)) [البقرة:29] أي ارتفع إلى السماء. وقد اختلف متأولو الاستواء بمعنى العلو والارتفاع في الذي استوعب إلى السماء، فقال بعضهم الذي استوى إلى السماء وعلا عليها هو خالقها ومنشئها. وقال بعضهم بل العالي إليها الدخان الذي جعله الله للأرض سماء. وعن استواء الله جل ثناؤه إلى السماء، هل كان قبل خلق السماء أم بعده، قيل: بعده وقبل أن يسويهن سبع سموات، كما قال جل ثناؤه: ((ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا)) [فصلت:11] والاستواء كان بعد أن خلقها دخاناً، وقبل أن يسويها سبع سموات. وقد أغطش في السماء الدنيا ليلها وأخرج ضحاها، فجرى فيها الليل والنهار، وليس فيها شمس ولا قمر ولا نجوم، ثم دحى الأرض وأرساها بالجبال، وقدر فيها الأقوات، وبث فيها ما أراد من الخلق، ففرغ من الأرض وما قدر فيها من أقواتها في أربعة أيام، ثم استوى إلى السماء وهي دخان كما قال فحبكهن وجعل في السماء الدنيا شمسها وقمرها ونجومها، وأوحى في كل سماء أمرها فأكمل خلقهن في يومين، ففرغ من خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوى في اليوم السابع فوق سماواته، ثم قال للسموات والأرض: (اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) لما أردت بكما، قالتا: أتينا طائعين. ويزيد ذلك توكيداً ما ورد من أخبار بعض السلف المتقدمين وأقوالهم عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، عن ناس من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، في قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) [البقرة:29]. قال: إن الله تعالى كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئاً غير ما خلق قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق اخرج من الماء دخاناً فارتفع فوق الماء فسما عليه، فسماه سماءً، ثم أيبس الماء فجعله أرضاً واحدة، ثم فتقها فجعل سبع أرضين في يومي الأحد والاثنين، فخلق الأرض على حوت.... وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي في يومين، في الثلاثاء والأربعاء وذلك حين يقول: ((قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ)) [فصلت:9] * ((وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ)) [فصلت:10] * ((ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)) [فصلت:11] * ((فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)) [فصلت:12]. يقول المفسرون: إن الاستواء في السماء كان في يومي الخميس والجمعة، وقد سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض. وفي قوله: (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا) أي: خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة وحفظاً تحفظ من الشياطين، فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش، فذلك حين يقول: ((خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)) [الأعراف:54] ويقول: ((كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)) [الأنبياء:30]. وعن ابن عباس في قوله ذكر خلق الأرض قبل السماء، ثم ذكر السماء قبل الأرض، ذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فذلك قوله: ((وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا)) [النازعات:30]. وحدث المثنى عن عبد الله بن سلام( ) أنه قال: {إن الله بدأ الخلق يوم الأحد فخلق الأرضين في الأحد والاثنين، وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء، وخلق السموات في الخميس والجمعة، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها ادم على عجل، فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة}( ). وعن قوله جل ثناؤه: ((وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا)) [النازعات:30].. اختلف أهل التأويل في معنى قوله (بعد ذلك)، قال بعضهم: دحيت الأرض من بعد خلق السماء. وعن ابن عباس قال: {وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام، ومنه دحيت الأرض}. وقال آخرون: إن الأرض خلقت ودحيت قبل السماء وذلك لقوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ)) [البقرة:29]. وعن قتادة:( ) (وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) أي: بسطها( ).
مركزية مكة المكرمة للأرض اليابسة على سطح الكرة الأرضية بناء على ما نشر بمجلة البحوث الإسلامية -المجلد الأول- العدد الأول للأستاذ الدكتور حسين كمال الدين بأن مكة المكرمة هي مركز لدائرة تمر بأطراف جميع القارات، أي أن الأرض اليابسة على سطح الكرة الأرضية موزعة حول مكة المكرمة، توزيعاً منتظماً، وأن مدينة مكة المكرمة في هذه الحالة تعتبر مركز للأرض اليابسة.
فقد تم إجراء حسابات على الحاسب الآلي بقسم بحوث الشمس والفضاء بالمعهد تحت إشرافي للتحقق من هذه المعلومة المنشورة كما يلي:
أولاً: العالم القديم: تم أخذ تسعة مدن وجزر تمثل أطراف العالم القديم الثلاث قارات أفريقيا وأوروبا وآسيا وهي: اسم المدينة أو الجزيرة البلد خط الطول خط العرض المسافة (كم) الحيود 1- بورنيو إندونيسيا 115ْ شرق 1ْ شمال 8433 5% 2- جاوا إندونيسيا 110ْ شرق 7ْ جنوب 8273 2% 3- كيب تاون جنوب أفريقيا 18.22ْ شرق 33.55ْ جنوب 6559 -18% 4- أيسلندا أيسلندا 7ْ غرب -5ْ 6410 -20% 5- نيو سيبيريا شمال روسيا 142ْ شرق 15ْ شمال 8050 0% 6- سخالين شرق روسيا 142ْ شرق 41ْ شمال 9044 12% 7- كيتاكوشو اليابان 131ْ شرق 39ْ شمال 8790 9% 8- تايوان تايوان 121ْ شرق 15ْ شمال 8218 2% 9- مانيلا الفلبين 121ْ شرق 15ْ شمال 8575 7% المسافة المتوسطة 8.39 0% وقد تم حساب المسافة القوسية بالكيلو مترات بين مكة المكرمة وكل هذه المدن والجزر التسع وذلك بحل المثلثات الكروية بعد معرفة فروق خطوط الطول والعرض بين مكة المكرمة وكل منهم وكانت المسافة المتوسطة لهذه المواقع التسع هي 8.39 كيلو متراً، ومنها نجد أن حيود مسافة كل موقع عن المسافة المتوسطة لا تتجاوز 5% ما عدا مدينة كيب تاون وجزيرة أيسلندا فإن الحيود يصل إلى حوالي 20% بالسالب وحيود لمدينة سخالين مقداره 12% بالموجب و 9% لمدينة كيتاكوشو بالموجب أيضاً، وهذا يعني أن مكة المكرمة تكاد تكون مركز دائرة تمر بأطراف جميع القارات القديمة نصف قطرها حوالي 8000كم.
ثانياً: العالم الجديد: تم حساب المسافة ما بين مكة المكرمة وكل من: المسافة (كم) الحيود 1- مدينة ولنجتون بنيوزيلندا شرق أستراليا 13.40 -1.5% 2- الكورن هورن وهو أقصى مكان بأمريكا الجنوبية 13120 -1% 3- شمال ألاسكا وهو أقصى مكان بأمريكا الشمالية 13600 2.5% وكانت المسافة المتوسطة 13253كم والحيود لا تتجاوز 2.5% للثلاثة وهذه المواقع تمثل أطراف قارات العام الجديد وأتضح أن المسافة بينها وبين مكة المكرمة تكاد تكون متساوية وهذا يعني أن مكة المكرمة هي مركز لدائرة تمر بأطراف جميع القارات الجديدة كما هو الحال في القارات القديمة، وهذه الدائرة الجديدة تمر أيضاً بأطراف القارة المتجمدة الجنوبية شرقاً وغرباً.
ثالثاً: مركز مساحات العالم القديم: تم تعيين مساحات القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا ومركز مساحة كل منهم ومعرفة خط الطول وخط العرض لهذا المركز، ثم استعملت طريقة لتحديد مركز القارات الثلاث على أساس ما يعرف بعزم المساحات فأتضح أن مركز العالم القديم هو المكان الذي خط طوله 48.829ْ شرقاً وخط عرضه 33.039ْ شمالاً وهو يختلف كثيراً عن موقع مكة المكرمة التي خط طولها 39.817ْ شرقاً وخط عرضها 21.437ْ شمالاً.
رابعاً: مركز مساحات العالم: تم تعيين مساحة القارات الجديدة وهي أستراليا وأمريكا الجنوبية والشمالية ومركز مساحة كل منهم ومعرفة خط الطول وخط العرض لهذا المركز ثم استعملت طريقة عزم المساحات لتحديد مركز القارات الست سوياً فاتضح أن مركز العالم هو مكان خط طوله 13.343ْ شرقاً وخط عرضه 24.977ْ شمالاً وهو يختلف كثيراً عن موقع مكة المكرمة.
خامساً: مركز مساحات العالم قبل تزحزح القارات: لوحظ أنه لو تم تحريك خط طول مراكز قارات العالم الجديد بحيث يلغي تأثير المحيط الأطلسي والمحيط الهندي والمحيط القطبي الجنوبي مع أخذ مساحة القارة المتجمدة الجنوبية في الاعتبار فإن مركز اليابسة من حيث التوزيع المساحي المنتظم يكاد يكون مكة المكرمة وهو ما تشير إليه خرائط العالم منذ العصور الجيولوجية السحيقة عندما كانت اليابسة جزءاً واحداً قبل تزحزح القارات وانفصالها بعضها عن بعض.
المستخلص: مكة المكرمة تكاد تكون مركز لدائرة نصف قدرها حوالي ثمانية آلاف كيلو متر تمر بأطراف القارات القديمة (آسيا، أفريقيا، أوروبا) وهي أيضاً مركز لدائرة نصف قطرها حوالي ثلاثة عشر ألف كيلو متر بأطراف القارات الجديدة (أمريكا الشمالية، أمريكا الجنوبية، استراليا، المتجمدة الجنوبية) ولكنها ليست مركز العالم القديم أو الجديد أو الاثنين معاً من حيث التوزيع المساحي المنتظم لليابسة ومن المحتمل أنها كانت مركز اليابسة كلها قبل تزحزح القارات وانفصالها بعضها عن بعض في العصور الجيولوجية السحيقة.
نائب رئيس شعبة بحوث الشمس والفضاء د. مسلم أحمد مسلم شلتوت 13 شعبان 1414هـ القاهرة في 25/ 1/ 1994م وزارة البحث العلمي المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية حلوان - مصر Ministry of Scientific Research National Research Institute of Astronomy and Geophysics Helwan, Cairo, Egypt دائرة دلائل القبلة عند الكعبة الشريفة وصورة البلاد الإسلامية بالنسبة لمكة المكرمة لقد تضمن تراثنا العربي والإسلامي العديد من المخطوطات عن دائرة دلائل القبلة كالدراسة التي أجراها ابن فضل الله العمري (المتوفي 749هـ) والذي تضمنها كتابه المسمى (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) ففي الخارطة التي في صفحة 243 قام ابن فضل الله العمري بتقسيم الدائرة التي تحيا بالكعبة الشريفة إلى اثني عشر جزءاً كل جزء يقابل ثلاثين درجة قوسية وحددء على هذه الدائرة الاتجاهات الأصلية الأربع والبلاد التي تقع وراء كل جزء وبحيث يصبح هذا الجزء هو قبلة البلاد التي تقع ورائه، وأما قبلة أهل كل أرض من جهات الكعبة.
مواد متعلقة
-
مكة في العصر الأموي
في هذا القسم نفصل تاريخ مكة في... -
مكة منذ أقدم العصور
يبحث هذا القسم نشأة مكة منذ أق... -
قريش وبناء الكعبة
في هذا القسم نعرض حقبة قريش وب... -
دول الأشراف بمكة
في قسم دول الأشراف، نبحث تاريخ... -
المسرد التاريخي لمكة
نسوق أهم الأحداث التاريخية مرت...