مناسك العمرة

العمرة هي زيارة بيت الله الحرام في مكة المكرمة لأداء عبادة مخصوصة تشمل الطواف حول الكعبة المشرفة والمسعى.

ويمكن أن تؤدي العمرة في أي وقت من أوقات السنة باستثناء أيام الحج.

 فإذا دخلت أيام الحج فلا يجوز أن ينوي المسلم العمرة إلا مقرونة بالحج.

قال النبي صلى الله عليه وسلم وقد شبك أصابعه:

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

أولاً: الإحرام

هو الركن الأول من أركان العمرة (وكذلك الحج) فلا يجوز أداء العمرة أو الحج من دون الإحرام، والإحرام للعمرة هو عقد النية للدخول في نسكها مع ما يتبع ذلك من أعمال وآداب متممة.

ويمكن وصف الإحرام بأنه حالة روحية يدخلها المسلم ليكون مهيئاً لزيادة بيت الله الحرام.

وللإحرام محظورات على الذكور والإناث ويتطلب لباساً خاصاً للرجال كما هو موضح في الصفحة المقبلة.

الغسل: هو صب الماء على الرأس وكل الجسد للإستحمام وهو نوعان مفروض ومندوب.

 والغسل المفروض يكون بعد الجنابة والجماع والحيض والولادة.

لباس الإحرام

المسجد الحرام هو بيت الله الحرام وهو المسجد الوحيد الذي يحج له المسلمون من كافة بقاع الأرض بنية الحج أو العمرة (وهذا يتطلب الإحرام).

 ويعتبر الطواف في المسجد الحرام حول الكعبة صلاة تستوحب الوضوء مثل الصلوات الخمس.

محظورات الإحرام:

فإن عقد نية الإحرام فإنه لا يجوز للمحرم ذكراً كان أو أنثى أن يحلق شعره أو ينتفه ولا يجوز له أن يقلم أظافره ولا أن يتطيب ولا أن يصطاد أو يقتل الصيد أو الطير ولا يجوز له الجماع أو اللقاء الزوجي.

 إن الامتناع عن تلك المباحات هو ابتعاد عن أمور الدنيا وتعزيز لخشوع المسلم في أدائه لشعائر العمرة أو الحج.

ويحظر على الرجال دون النساء تغطية الرأس إلا من عذر كما يحظر عليهم لبس الملابس المحاكة (المخيط) والأحذية التي تغطي القدم ويستبدل ذلك بنعل مكشوف ولباس الإحرام المكون من إزار ورداء من قماش أبيض (وهو ما يشبه قماش الكفن).

الدخول في الإحرام:

لبس ثياب الإحرام لا يعني الدخول في حالة الإحرام إلا إذا تم:

1- عقد النية القلبية للدخول في الإحرام لأداء العمرة.

2- وذلك عند أحد المناطق التي حددها النبي صلى الله للإحرام (المواقيت).

النية تعقد في القلب ولا يشترط التلفظ بها (والمقصود هنا أصل النية)، لكن يجوز التلفظ بقدر ما نوى لا بأصل العبادة. 

لا تقول إني نويت أن اعتمر أو احج لكن لا بأس أن تقول لبيك عمرة أو لبيك حجاً. 

مواقيت الإحرام المكانية: 

حدد النبي صلى الله عليه وسلم خمسة مناطق تحيط بمكة المكرمة من كل الاتجاهات لا يستطيع الحاج أو المعتمر أن يقطعها براً أو جواً إلا وهو محرم، وتسمى تلك المناطق مواقيت للإحرام. 

ويمكن للمسلم أن يحرم منها أو أن يعقد نية الإحرام عندها بعد أن يكون قد هيأ نفسه للإحرام قبلها.

 وهذه المواقيت هي: 

• ذو الحليفة: ميقات أهل المدينة
• الجحفة (بالقرب من مدينة رابغ): ميقات أهل الشام والمغرب ومصر ومن جاء عن طريقهم
• قرن المنازل: ميقات أهل نجد (ويسمى حالياً السيل الكبير)
• يلملم: ميقات أهل اليمن (ويحرم الناس حالياً من السعدية)
• ذات عرق: ميقات أهل العراق. 

التلبية وما بعد الإحرام:

بعد أن يهيئ المسلم نفسه للإحرام ويعقد النية القلبية له من الميقات المحدد شرعاً، فإنه يسن له أن يقرن نيته بالتلبية ولفظ التلبية كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم هو:

أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية وأن تخفض النساء أصواتهن بالتلبية.

ولا يجوز للمسلم بعد الدخول في الإحرام أن يدخل في نزاع أو مشاحنات مع الناس أو حوارات مطولة تتعلق بأمور الدنيا لكن عليه أن ينشغل في التلبية والذكر وقراءة القرآن واستحضار الخشوع والإخلاص لله وحده ولا شيء معه.

يجوز للمحرم لبس الساعة والنظارة وسماعة الأذن وحمل شمسية (لكن لا يضع طاقية) ويجوز له تضميد جراحه وغسل رأسه وبدنه وتنظيف ملابس الإحرام من دون تطييبها.

أعمال العمرة هي أربعة ولا يجوز الإخلال بأي منها.

ثانياً: الطواف حول الكعبة

وهو عبادة وصلاة تستوجب الطهارة والوضوء مثل الصلوات الخمس (لكن يجوز الكلام فيها للضرورة).

ويستحضر المسلم في طوافه قدسية الكعبة وأنها أول بيت تم بناؤه على الأرض لعبادة الله الواحد الأحد وأن الله أمر إبراهيم عليه السلام أن يرفع بناءها وأرسل محمداً عليه الصلاة والسلام ليطهرها من الأصنام فهي باقية عبر العصور بيتاً لله ورمزاً لوحدانيته وحرماً آمناً يأتيه الناس من كل مكان.

للمسجد الحرام مكانة خاصة فكل من دخله آمن حتى الطير ولا يجوز فيه الصيد أو قتل أي مخلوق ولا يجوز فيه الجدال ورفع الصوت أو النزاع أو المخاصمة أو التلفظ بما لا يليق.

عبادة لا تتقطع ليل نهار: 

والطواف عبادة مستمرة طوال اليوم وعلى مدار العام لا تتوقف إلا لدقائق معدودة لأداء الصلوات الخمس والتي يصطف فيها المسلمون في صفوف دائرية حول الكعبة فهي قبلتهم في صلاتهم أينما كانوا في بقاع الأرض.

كيف يتم الطواف ؟

الطواف يكون في سبعة أشواط. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ الطواف من عند الحجر الأسود حيث كان يقبله أو يشير إليه بيده "بسم الله والله أكبر" ثم يمشي حول الكعبة (عكس عقارب الساعة). 

يسَن الاضطباع للرجال في طواف العمرة وطواف القدوم وهو كشف الكتف الأيمن عند الطواف كما يسن الإسراع في المشي في الأشواط الثلاثة الأولى.

الطواف مع حركة الكون: 

إنها ليست مصادفة أن تكون حركة الطواف منسجمة مع حركة الكواكب حول الشمس وحركة الأقمار حول الكواكب وحتى حركة الإلكترونات حول نواة الذرة.

 فإن كان الكون كله وبكل مكوناته يتحرك بقوانين الله وتقديره بشكل غاية في الدقة فإن في ذلك تسلم وخضوع لله عز وجل.

ويأتي الطواف ليؤكد خضوع المسلم لخالقه وانضمامه لكل المخلوقات التي تعبد خالقها وحده لا شريك له وتسبحه وتمجده فلله يسبح ما في السموات والأرض وإن من شيء إلا يسبح بحمده.

أدعية الطواف: 

لا يوجد دعاء محدد للطواف إلا ما ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه دعى عند وصوله للركن اليماني من الكعبة وقبل نهاية الشوط ووصوله للحجر الأسود (رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى ٱلْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ).

وللمسلم أن يدعو ربه بما يشاء فيستغفره ويحمده ويشكره ويقرأ شيئاً من القرآن أثناء طوافه ويدعوه بأمور الدنيا والآخرة وكل ما كان الدعاء نابعاً من القلب وصادقاً دون تكلف في لغته كان أقرب للقبول.

الصلاة خلف مقام إبراهيم: 

قبل التوجه لأداء الركن الثالث من أركان العمرة وهو السعي، هناك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم يستحب فعلها اقتداء به وهي الصلاة خلف مقام إبراهيم وشرب ماء زمزم بعدها.

وأثناء توجه النبي صلى الله عليه وسلم للمقام تلى قوله تعالى:

ثم صلى ركعتين خلف المقام وقرأ في الركعة الأولى سورة (الكافرون)، وفي الركعة الثانية سورة (الإخلاص).

وللمسلم أن يتصور أنه يصلي خلف أبي الأنبياء وإمام الموحدين إبراهيم عليه السلام الذي بني الكعبة مع ابنه اسماعيل عليه السلام ورفع بناءها بأمر الله عز وجل. وأنه عندما يقرأ سورة الإخلاص فإنه يؤكد إيمانه بالله.

والواحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولا يوجد له مكافيء من أحد من مخلوقاته. 

وعندما يقرأ المسلم سورة الكافرون فإنه يتبرأ من أن يشرك بالله أو عبادة أي إله يعبده الكافرون من دون الله فلهم دينهم وللمسلم دينه الذي يعتز به ويسعد به وكيف لا وهو يعبد خالق الأكوان الذي بيده كل شيء.

ملاحظة: عند ازدحام الطواف يصعب الصلاة خلف المقام مباشرة ويُفضل أن يبتعد المسلم خلف المقام حتى يجد مكاناً مناسباً للصلاة دون أن يضايق إخوانه المسلمين أو يعرقل طوافهم.

الشرب من ماء زمزم: 

ثم يتوجه المسلم للشرب من ماء زمزم، ووصف النبي "ماء زمزم بأنه ماء مبارك ومن خير ما على وجه الأرض وأنه لما شرب له فإن شربه الفرد ليستشفي به شافاه الله وإن شربه للارتواء وقطع الظمأ تحقق له ذلك".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

يوصف الماء بأنه معدني إذا كانت نسبة المعادن فيه تساوي أو تزيد على 250 ملي جرام/ اللتر وحسب التحاليل المخبرية التي أجريت على ماء زمزم وجد أن نسبة المعادن فيه ما بين 800 إلى 1000 ملي جرام في اللتر فهو وجبة دسمة ومشبعة من المعادن التي يحتاجها الجسم. 

كما تبين أن ماء زمزم مطابق لمقاييس منظمة الصحة العالمية الذي يحتاجه الجسم لتكوين العظام والأسنان ولوظائف حيوية تتعلق بالقلب والعضلات والأعصاب.

هذا بالإضافة للبيكربونات التي تساعد على الهضم والفلورايد الذي يحتاجه الجسم للحفاظ على صحة الأسنان والمعروف أن للمياه المعدنية وظائف طبية عديدة وأنها تساعد في تخفيف وفي علاج الالتهابات العضلية والمفصلية والرثيانية - الروماتزمية.

يعتبر ماء زمزم من أغنى المياه المعدنية في الكالسيوم، فهو يحتوي على 200 - 190 ملي جرام/ لتر من الكالسيوم بالمقارنة مع مياه إيفيان المعدنية والتي تحتوي على 80- 78 ملي جرام / لتر ومياه بيريير والتي تحتوي على 150- 147 ملي جرام / لتر.

يحتاج الأطفال من سن 8- 4 سنوات إلى 800 ملي جرام/ لتر من الكالسيوم يومياً وتحتاج الحامل والموضع بحدود 1300 ملي جرام/ لتر يومياً من الكالسيوم والذي يمكن توفيره من مصادر غذائية متنوعة أهمها الحليب، إلا أن ماء زمزم يمكنه وحده أن يوفر ما بين 25-15% من احتياج الجسم اليومي للكالسيوم.

---

ثالثاً: السعي بين الصفا والمروة

السعي هو الركن الثالث من أركان العمرة وهو أيضاً ركن أساسي من أركان الحج.

والسعي عملياً هو المشي بين منطقتي الصفا والمروة سبعة أشواط تبدأ عند الصفا وتنتهي عند المروة.

والسعي لغة هو حركة الإنسان اليومية لتحقيق هدف ما فتشمل أفعاله وأقواله وسفره وجهده وتعبه.

 وسعي الإنسان في حياته هو كل ما قام به من أقوال وأفعال لتحقيق أهدافه.

ومن منظور إسلامي لا بد أن يكون سعي الإنسان لتحقيق أهداف نبيلة ومشروعة طبقاً لشرع الله ودون الخروج عن أوامره.

وجاء ذكر السعي في مواطن مختلفة في القرآن الكريم.

للسعي قصة مع هاجر الزوجة الثانية لإبراهيم عليهما السلام:

أمر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام أن يهاجر مع زوجته هاجر وإبنهما إسماعيل إلى أرض مكة ليقيما هناك. 

وعندما وصل إبراهيم إلى مكة، كانت أرضاً قاحلة لا زوع فيها ولا يسكنها أحد، فترك زوجته هاجر وابنهما إسماعيل هناك ولم يكن لديهما إلا مؤنة قليلة من الماء والغذاء وتوجه إلى ربه بهذا الدعاء:

صبرت هاجر على قضاء الله وقدره وعاشت مع ابنها أياماً صعبة حتى نفد زادهما فعطش إسماعيل وارتفع صوته بالبكاء فأسرعت لتبحث له عن الماء ماشية بين تلتين (يعرفان حالياً بالصفا والمروة) دون جدوى. 

واشتد العطش بهما حتى حدثت المعجزة الإلهية فنبع الماء من تحت قدمي إسماعيل عليه السلام.

ذلك النبع هو نبع زمزم الذي لا يزال يعطي حتى يومنا هذا ويؤمه الحجاج ليشربوا جرعة من مائه والتبرك به. 

وعاشت هاجر مع ابنها إسماعيل في تلك المنطقة وكرست حياتها خاضعة لأمر الله حتى أصبحت تلك المنطقة مدينة مأهولة بالسكان وقد استقرت فيها القبائل العربية وكانت أولها قبيلة جرهم.

أدعية السعي:

عندما توجه النبي صلى الله عليه وسلم للمسعى قرأ هذه الآية الكريمة من سورة البقرة

وعندما صعد النبي صلى الله عليه وسلم على تل الصفا توجه إلى الكعبة ودعا الله عز وجل بهذا الدعاء وكرره ثلاث مرات.

• ولا حرج من رفع اليدين عند الدعاء لكن من الأخطاء الشائعة الإشارة باليد باتجاه الكعبة.

• ويبدأ المعتمر أو الحاج الشوط الأول من السعي بعد أن ينزل من الصفا ويمشي في المسعى باتجاه المروة ويدعو ما يشاء وما يتيسر له.

• فإذا وصل الرجال إلى العلم الأخضر أسرعوا بالخطا وهرولوا حتى يصلون للعلم الأخضر الثاني (وهذه المنطقة كلها تم إنارتها بالنيون الأخضر حالياً).

• وعندما يصل المسلم إلى المروة يكون قد أتم الشوط الأول ويكرر ما دعا به على الصفا (ولا يشترط تكرار قراءة الآية).

• ثم ينزل من على المروة ويتوجه للصفا ليتابع السعي.

• وينتهي الشوط السابع من السعي عند المروة.

لا يشترط الوضوء خلال السعي، ويجوز للمرأة السعي وهي حائض ولكن لا يجوز لها الطواف (لأن الطواف صلاة تحتاج إلى الطهارة).

---

رابعاً: الحلق أو التقصير

وهو آخر أعمال العمرة ولا يتم التحلل من الإحرام (أي خلع ملابس الإحرام والخروج من محظوراته) إلا بالحلق أو التقصير.

وفي إشارة لفضل حلق الشعر كاملاً للرجال، دعا النبي [بالرحمة للمحلقين ثلاثاً ودعا مرة واحدة للمقصرين من الرجال. أما النساء فعليهن أ يقصرن شعر الرأس بمقدار أنملة وتكون أتمت مناسك العمرة وخرجت من حالة الإحرام].

التحلل: هو الخروج من حالة الإحرام ومحظوراته ولا يتم إلا بحلق الشعر أو تقصيره.

---